الأحد، 2 نوفمبر 2014

الحلقة الأولى قراءة نقدية في كتاب: رمالات الجرعاوي بـروايـــة التـــاريـــــــخ

الحلقة الأولى قراءة نقدية في

كتاب:
رمالات الجرعاوي
بـروايـــة التـــاريـــــــخ

قال تعالى
(ايا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم)
" سورة الحجرات أية 13"

بقلم /منصور الفهيد
بكالوريوس تاريخ – جامعة الملك سعود

بعد قراءة معمقة للمسودة النهائية لكتاب (رمالات الجرعاوي- برواية التاريخ) لمؤلفه (أ.سعود العابد) - الكتاب تحت الطبع - كان اللافت لانتباهي والأمر الذي شدني لقراءته وكتابة هذا المقال هو أنني كنت اقرأ لكتاب مبني على دراسة علمية بحثية عن تاريخ منطقتنا "منطقة الجوف"، ومن وجهة نظر المراقبين والمهتمين الدارسين للتاريخ تكمن أهمية هذا الكتاب، ودورة في إعادة قراءة تاريخ المنطقة الحافل بالأحداث بعيدا عن الاجتهاد الشخصي للعديد من الكتابات التي انتشرت في الآونة الأخيرة عبر مؤلفات لا حصر لها عن الجوف.. تلك المؤلفات التي يشتم منها القارئ البسيط روائح التحيز التي أزكمت الأنوف، أو كتب لآخرين تفتقد نقد النص ومعالجته وفق سياقاته التاريخية لذا كان القصور في التفسير والتحليل الموضوعي مع الانسياق وراء نص لرحالة أوروبي مستشرق جاء للمنطقة لأهداف استطلاعية سياسية أكثر منها لغرض الاستكشاف علمي أو من اجل التوثيق التاريخي عن المنطقة !!

إن كتاب (رمالات الجرعاوي – برواية التاريخ) كتاب استطاع مؤلفه (أ. سعود العابد) أن يبحث في تاريخ صراعات الجوف بصورة موضوعية وعلمية موثقة، مع تحليل منهجي لأبعاد السيطرة والهيمنة على الجوف، مع تفسير للأسباب القابعة وراء تحرك القوى القبلية المسيطرة آنذاك على المنطقة..إضافة لاستعراضه لطبيعة العلاقة بين أحياء دومة الجندل حيث استخدم المؤلف تفسير (ايفيز – بريتشارد) للنظام والسلام في المجتمعات التي لا رأس لها – لا زعامة لها – حيث يرى هذا التفسير انه في ظل غياب الزعامة المركزية ،يصان السلام نتيجة المعارضة المتساوية بين جماعات تقسيميه.فقد كان الوضع فوضوي بعد انتهاء الدولة السعودية الأولى مما ادخل أحياء واحة الجوف في دوامة من الصراعات التي نتج عنها العديد من التحالفات والتكتلات، لكن المؤلف لا يرى في نهاية المطاف أن هذا التفسير وحده غير كافي لفهمنا للعلاقة بين تلك الأحياء..!!

يلاحظ قارئ الكتاب أن المؤلف سعى إلى تثبيت المنهج التاريخي المقارن من خلال العمل على معالجة نصوص مصادره التاريخية، وذلك بإجراء مقارنة بين المرويات الشعبية،والقصائد الشعرية التي قيلت في مناسبة الحدث وتناقلتها الأجيال من جهة مع ما ورد من نصوص جاءت في كتابات الرحالة الأوربيين عن تلك الأحداث بل عمل الكاتب على التمازج بين تلك النصوص حسبما جاء في مقدمة الكتاب عبر معالجة موفقة،كما يحسب لهذا الكتاب تفرده بأن وضعنا امام ماجاء في نصوص الامبراطورية العثمانية آنذاك حول ماجرى في شمال الجزيرة العربية - منطقة الجوف - من صراعات وهذا تميز يحسب له بأن قدم نص الرحالة الاوربي ونص العثماني والرواية الشعبية والقصيده الشعبية حول الحادثة وبهذا لم يسبقه أي كتاب تناول تاريخ الجوف!

وحول أسباب تسمية الكتاب بـ(رمالات الجرعاوي) يقول لنا المؤلف أن السبب في ذلك جاء من باب التحديد والتخصيص فـ"الرمالات" فخذ كبير من (شمر) أبناءه منتشرين في كافة أنحاء الجزيرة العربية، ولكنني أتحدث بشكل خاص عن رمالات سكنوا في فترة تاريخية محددة لحي (الجرعاوي) الواقع ضمن أحياء دومة الجندل،وكانت لهم معارك وحروب طاحنه على تلك الارض فبحسب روايات التاريخ كان هذا الحي محوريا في السيطرة على الجوف.

في الفصول الأولى للكتاب يوضح لنا المؤلف على أن "رمالات الجرعاوي" هم في الأصل من "الخطباء" المعروفين حتى وقتنا هذا في محافظة (جبة) مستندا بذلك على ما نصت علية وثيقة الأمير/ عبيد الرشيد تلك الوثيقة التاريخية التي مضى عليها مائتين عام،والوثيقة التي يكشف عنها الكتاب (أصل الوثيقة موجودة في دارة الملك عبد العزيز – قسم المخطوطات التاريخية) وبذلك تكون وثيقة الأمير/عبيد الرشيد هي تأكيد في أي عوائل "الرمالات" يعودون بشكل دقيق ،كما انها وثيقة اعتمدت في عهد الدولة السعودية الثالثة في تملكهم لأرض (الجرعاوي) – هذا ما أكده الأمير/ عبد الرحمن السديري – رحمه الله – حين كان حاكما لمنطقة الجوف من خلال إحالة معاملة أبناء عوائل الجرعاوي الحاليين التي تطالب بتملكهم لأراضي الجرعاوي حيث أصدرت المحكمة بعد اطلاعها على الوثائق الصك الشرعي رقم (111) وذلك بتاريخ (29/ 3/1385هـ) - ، والوثيقة تعتبر على درجة من الأهمية لدلالتها على تاريخ الغزوة الأولى للأمير/ (عبيد الرشيد) على رأس ثلاث آلاف رجل من قبيلة (شمر) بتوجيه من أمير الجبل أخيه مؤسس أمارة الجبل (عبد الله العلي الرشيد) وتحدد تاريخ خضوع واحة الجوف تحت حكم أمارة الجبل، كما تكشف لنا عن المناوئين من أبناء أحياء دومة للوجود (الشمري) في تلك الواحة.

وحول نسب (رمالات الجرعاوي) يقول لنا الكتاب أنهم أسر عريقة خرجت من واحة (جبه) لتسكن في حي (الجرعاوي) احد أهم أحياء دومة الجندل حيث كان خروجهم مابين عام (1228هـ) الى (1234هـ) أي بعد نهاية الدولة السعودية الأولى تقريبا ومع انبعاث الدولة السعودية الثانية(1238هـ) تقريبا.

●وهذا ما يؤكده المؤرخ الأمير/ عبد الرحمن السد يري – رحمه الله - في كتابه (وادي النفاخ)(صفحة 126) أن "رمالات الجرعاوي" قدموا من قرية "جبه" ويرجعون في نسبهم إلى فخذ"الرمالات" من "شمر" وهو أحد أهم بطون "زوبع" وجدتهم (الغفيله) من "علي بن زوبع" من (سنجاره) من (قبيلة شمر).

●مستشهدا بما ذكره المؤرخ الدكتور/ عبد الله بن صالح العثيمين في كتابه (أمارة آل رشيد) عن نسب أبناء هذا الحي، ومتفق بذلك مع ما أوردة العلامة (أبي عبد الرحمن عقيل الظاهري) في كتابه (تاريخ نجد في العصور العامية).

من محاور الكتاب الرئيسية التي عالجها معالجة علمية بحثية هو ما هو ثابت في تاريخ الجوف من حدوث مواجهتين بين (رمالات الجرعاوي) كامتداد لحكم (الرشيد) وولاء له ضد القوى المناوئة لـ(شمر) وعلى رأسها قبيلة (الرولة) الغنية عن التعريف حيث كانت الواقعة الأولى عام (1269هـ -1853م) حين غزا الشيخ (فيصل الشعلان) دومة الجندل، والثانية في عهد الشيخ(نواف النوري الشعلان) عام (1326هـ -1909م) حسب ما جاء في كتاب (وادي النفاخ) فبعد إن قاموا ببناء وتشييد قصر(الجرعاوي) المعروف على يد أبناء تلك الأسرة أصبح نقطة ارتكاز محورية لعناوين أحداث رسمت تاريخ "دومة الجندل" في تلك الفترة الزمنية من خلال الدور الذي لعبه هذا الحي في مسألة الصراع الذي كان قائما للهيمنة على "الجوف"كنوع من امتداد نفوذ القوى القبلية الموجودة داخل دومة الجندل أو جاءت من خارجه والتي كانت تتحرك ضمن إطار أجندة اكبر ألا وهو الصراع بين الإمبراطوريتين العثمانية من جهه والبريطانية من جهة أخرى كما يفسر لنا ذلك كتاب (العثمانيون في شمال الجزيرة العربية ) للكاتب (مطلق البلوي).

كما تطرق الكاتب لكافة النصوص التي تناولت دور (رمالات الجرعاوي) بـ"دومة الجندل" بعد نزوحهم من واحة "جبه" التي كتبها أغلب المستشرقين الأوربيين إن لم يكن جميعهم الذين زاروا "الجوف". إضافة للمستشرقين الأوربيين نجد المؤلف يستعرض أيضا ما كتبه المؤرخين السعوديين، وأيضا ابرز ما جاء على لسان المؤرخين العرب المهتمين بالمناطق الشمالية للمملكة( رحلة التنوخي نموذجا)،كما تطرق لدراسات علمية للحصول على أعلى الشهادات ومنها رسالة الدكتوراه من اعرق الجامعات البريطانية لـ(الدكتورة/ مضاوي الرشيد) في كتابها (السياسة في واحة عربية - أمارة آل رشيد) (صفحة 164) الذي هو في الأصل رسالة الدكتوراه الموثقة والمدققة علميا من قبل أعضاء المناقشة في جامعة كمبريدج العريقة حيث تطرقت (د. الرشيد) وتناولتهم تحت تفسير التوسع والتمدد في بدايات (أمارة الرشيد) مؤكدة أنهم كانوا السبب الرئيسي وراء غزو (عبيد ابن الرشيد) إلى الجوف نصرة لهم، وهذا يأتي متما هيا مع ما تؤكده الوثيقة التي منحها (عبيد ابن رشيد) لهم والموجودة حاليا (بمتحف دارة الملك عبد العزيز بالرياض) ما اعتبره مؤلفنا إحدى الدلائل القطعية في تفسيره لا سباب الغزو ووقوع واحة دومة الجندل آنذاك تحت حكم الجبل الذي امتدت إلى قرية (كاف) وما جاورها من قرى .

أما من حيث المؤرخين السعوديين فبالإضافة إلى 
الأمير/ عبدا لرحمن السديري
 ود. عبد الله العثيمين،
 والعلامة أبي عبدا لرحمن عقيل الظاهري

 الذين سبقت الإشارة لمؤلفاتهم نجده يورد لنا الكاتب ما ذكره المؤرخ (سعد الجنيد ل ) في كتابة (بلاد الجوف) (صفحة رقم 118) حيث يقول بما نصه:

[ الحي السابع هو حي الدلهمية كان في السابق صغيرا وقريبا من حي خذما فيه "عشرين" عائلة تنحدر وسكان حي السراح من الذين هم من حلفاءهم من منبت واحد ، كان بينهم وبين سكان خذما والجرعاوي المتحالفين نزاع قديم ، ومنذ ثمان سنوات يوم وطد ابن رشيد حكمه في أرضه أنتصر لأنسابه في الجرعاوي فدمرت عساكره حي الدلهمية ونهبوه وخربوا بساتينه وقطعوا نخله وطمروا آباره ولم يتركوا لأهله سوى الحياة]
أما الرحالة الأجانب والمستشرقين الأوربيين فعلى سبيل المثال تناول الرحالة الفنلندي (اوغست والن) الذي قال لنا انه ذكر لنا عند مغادرته الجوف وكان أهل حي (خذماء) على وشك الانتهاء من إعادة بناء (حي الجر عاوي) كنوع من أنواع العقاب الذي فرضه (الأمير/ عبيد ابن رشيد) على أهل (خذماء) للتخاذل الذي وقع من قبلهم لـ(رمالات الجرعاوي) الذين وقفوا معهم وهبوا لنجدتهم ونصرتهم في مواجهتهم مع أبناء اثنين من أحياء دومة هما: (الدلهمية) و(السراح(، وهذا ما يستعرضه لنا (د.عوض البادي) في محاضرته بالنادي الأدبي بسكاكا عام (1424هـ) والتي كانت بعنوان (الرحالة الأوربيين الذين زاروا الجوف).


المصدر:
1-   الحلقات الثلاث منقوله عن موقع ديوانية شمر(الطنايا) 2009م الرابط:


2-   الحلقات الثلاث وكذلك المشاركات والاسئلة نشرت عام 2009م وهي منقولة عن موقع اطلس شمر رابط الموضوع :


( وللحديث بقيه )

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق